فى هذه الغرفة المتهالكة الأرجاء المظلمة الجوانب يرقد عليا ممددا بجانبه الأهل والأقارب
صيحات العويل والبكاء تتصاعد فى غرفته
تختلط الكلمات فى أفواه الكل
رحمه الله ترك أطفالا صغارا ما مصيرهم ؟
فى الخارج يجلس الرجال يتكلمون فى شتى المواضيع
الكل منشغل ومتشاغل
فى هذا الركن البعيد يجلس الجد ينادى بصوت خافت على صبى لم يتجاوز من العمر خمس سنوات
يأتى الصبى وكله دهشة مملوءة بالأسى
هو يعلم أن هناك من مات وأن من مات عزيز عليه
لكن ما معنى أنه مات
يومها لم يعرف الصبى أنه فقد الأب والحماية لآخر العمر
أخبره الجد أن أباه قد مات
يومها بكى الطفل حتى لم يعد فى عينيه دموع
يومها بكى الطفل ولم يعرف لم يبكى إنه يبكى وحسب
يبكى والجد يبكيه بكلمات لها أسى وحزن وشجن
يمر الوقت بطيئا متثاقلا فالكل يجهز الميت
لكن الصبى لا يعرف ماذا يفعلون
تمر الأيام تباعا والطفل لم يعى بعد ماذا يحدث
فقد وُكل أمره إلى جده الذى ضاعت عيناه من كثرة حزنه على ولده
الذى كان بمثابة العصا التى يتكأ عليها الجد
فى المساء يجلس الجد وحوله الصبى وأختيه
كانا قد كبرتا شيئا ما
يظل يحكى لهم عن والدهما وماذا كان يفعل
وكم كان طيبا ؟!! وكم كان إخوته يظلمونه بشىء من المزاح
لكنه كان يتحملهم فهم أخوته
ثم ينظر إلى الصبى ويقول له إنك كثيرا ما تشبه والدك
فى كثير من الأشياء
وتمر الأعوام والصبى يدخل مدرسته ويتم دراسته
ومن بين أعماق الحياة يخرج الأهل
هؤلاء الذين لم يكن لهم أى دور فى الماضى السحيق او القريب
يخرجون ولسان حالهم يقول
مرحبا بولدنا الغالى
مرحبا بالصبى الذى ربيناه بيننا صغيرا يتيما
مرحبا بمن نحن أصحاب فضل عليه
والصبى ـ أقصد من كان صبيا ـ يتذكر تلك الأيام الخوالى
والتى كان يجلس بالسنين لا سائل يسأل عليهم
ويأتى العيد وليس هناك من يهنئهم
وتأتيه الحادثة تلو الحادثة وليس هناك من يخفف عنهم
ويحدث نفسه قائلا
أأنا إلى هذا الحد صغيرا أم سفيها فى نظرهم
أنا إبن الماضى الذى تركوه وتناسوه
أنا إبن ذلك الرجل الذى ما إن مات إنفض الجميع من حول الصبى
أنا ذلك المثل المشرف لتلك المرأة التى كانت تأكل القديد لتربى أولادها
أنا إبن قسوتكم وجحودكم ونسيانكم لنا
أنا ....أنا ......أنا .....أنا
واليوم أنا وليكم وعونكم ؟
لماذا كل هذا اتغير المفاجىء ؟
أهى الأيام وفعلها ؟
أم هى الطباع البشرية ومكرها ؟
كثيرا ما سأل الصبى نفسه كل هذه الأسئلة المتراكمة
لكنه ما كان ليسألها إلا عندما يرى هؤلاء المتشرذمون وهم يطلبون منه المنفعة
ويحيونه فى كل ما يفعله
فلقد أصبح عقلنا الذى نفكر به
وقدوتنا التى نستشيرها فى كل مسائلنا ومشاكلنا
أليس هو ابن ماضيكم الذى تناسيتموه ؟
وتمر الأيام والصبى هو الصبى والأهل هم الأهل